السبت 30 نوفمبر 2024

رحله اثام

انت في الصفحة 43 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز

فقط معرفة أي شيء عن ابنتها الغائبة قبل أن ترحل عن هذا العالم الفاني تعذر على فردوس الوصول إليها بعدما انقطعت أخبارها تماما سعت جاهدة للوصول إليها سألت عنها القاصي والداني لكنها اختفت وكأنه لم يعد لها في هذه الدنيا وجود. ذاك النهار وتحديدا أوان الضحى كانت ممسكة بقطعة من القماش البالي تستعملها كخرقة للتنظيف مسحت بها على طرف حذاء زوجها المغبر قبل أن تناوله إياه وهي تشكو إليه شأن أمها
طول عمرها كده تهاني
جايبة الهم لأمي عمرها مريحتها لحد ما هتجيب أجلها.
هز رأسه في أسف وطلب منها في نبرة راجية
هوني عليها وخليكي جمبها ده يعتبر ابتلاء.
في سأم ظاهر عليها ردت
أديني بعمل اللي عليا وزيادة.
شكرها عوض على تنظيفها لحذائه فسألته بعدما ارتداه
إنت رايح فين
أجابها وهو يسير تجاه الباب
هشوف في الحي وصلنا لإيه في موضوع الشقة ده.
طيب.
قالت كلمتها هذه وهي تنحني لتحمل الدلو المملوء بالمياه استعدادا للبدء في مهمة تنظيف أرجاء البيت. ألقت نظرة أخيرة على زوجها قبل أن يخرج ويغلق الباب خلفه لتردد في سخط
ما هو لو يجيلنا خبرها الكل هيرتاح!
.........................................
جرفها الحنين إلى أشياء افتقدتها كثيرا كسماع صوت والدتها إلى رؤيتها إلى التمتع بحضن طويل دافئ بوجودها تنهدت وخرجت التنهيدة محملة بأشواق ورغبات تعلم جيدا أنها لن تتحقق. كبتت تهاني ما تشعر به في دواخلها فإفساد ما تحاول بنائه بأمنية شبه مستحيلة كان مرفوضا. حضرت بجسدها هذا التجمع الطبي لكن ذهنها غاب عما يدور من حولها لاذت بالصمت كليا واكتفت بتقليب صفحات الكتيبات التي أمامها بنظرات فاترة لتظهر اهتماما زائفا بما يطرح للنقاش. لم تنتبه لوجود ممدوح رغم أنها كانت تنظر تجاهه ومع ذلك بدت وكأنها لا تراه.
نهض الأخير من مقعده حينما لمحها بين الحاضرين واتجه إليها بخطى واثقة بعدما زرر طرفي سترته أحست تهاني بشيء يظللها فرفعت بصرها للأعلى لتجده أمامها تفاجأت بوجوده واعترتها ربكة موترة خاصة أن ذلك هو لقائهما الأول بعد أشهر من الغياب الطويل انطلق لسانها يسأله في شيء من الإنكار
إنت بتعمل إيه هنا
أتى رده موجزا ومباشرا
جاتلي دعوة.
سألته في نفس اللهجة المستنكرة
هو إنت مش كنت مسافر رجعت ليه
وضع يده في جيب سرواله وقال
طبيعي أرجع بعد ما أخلص اللي ورايا بس الأهم إني رجعت من تاني...
تعمد التوقف عن الكلام ليضمن إصغائها التام إليه وهو ينهي جملته بكلمة واحدة عنت الكثير
عشانك.
فزعت لاعترافه النزق وتلفتت حولها في ذعر كأنما ترتاع من احتمالية سماع أحدهم لما فاه به نالت منها رجفة أخرى جعلتها أكثر توترا عندما استطرد يسألها بألفة متزايدة
إنتي زعلانة مني في حاجة
ردت باقتضاب وبوجه ذي ملامح رسمية لتقطع عليه سبل التودد إليها
لأ.
أعاد فتح سترته وجلس دون استئذان مجاورا لها لاح على قسماتها تكشيرة عظيمة ثم مال عليها متسائلا بنبرة معاتبة وهذه النظرة الماكرة تطل من عينيه
أومال بتتعاملي معايا كده ليه ده أنا غايب عنك بقالي مدة ويعتبر يعني أكتر حد خاېف عليكي حقيقي من قلبه هنا!
دكتور ممدوح أنا واحدة متجوزة وعاوزة أحافظ على حياتي مع ابني وجوزي مش حابة يكون في مشاكل خالص.
بنفس الطريقة الملتوية داعبها بكلماته وهو يمد يده ليحتضن كفها
وأنا مش عايز غير إني أشوفك مبسوطة والضحكة منورة وشك.
كانت كمن لامسه تيار كهربي انتفضت مصعوقة وسحبت يدها من أسفل لمسته الجريئة لتنهره بعينين جاحظتين
إيه اللي إنت بتعمله ده!
ظل على هدوئه معها فحذرته بتقاسيم اكتسبت لونا عدائيا
ماتنساش نفسك!
أكدت له بترفع يحمل في طياته الټهديد
رمقها بنظرة غير مريحة قبل أن يأتيها تعليقه نزقا وصاډما لها على كافة الأصعدة
مهاب عرف يخليكي إزاي تخضعيله وتكوني تحت رجليه.
بهتت ملامحها وأصبحت شبه شاحبة بعدما فرت الډماء من وجهها ازدردت ريقها وردت
بجمود
لو سمحت مايخصكش اللي بيني وبين جوزي.
اعتلت زاوية فمه ابتسامة هازئة قبل أن يسألها بلؤم
على كده إنتي عارفة هو فين دلوقت
رمشت بعينيها وهي تجاوبه
وراه عمليات مش فاضي.
ضحك ساخرا منها ليردد بعدها بما أوقد نيران الحنق في صدرها
مكونتش متخيل إنك بالسذاجة دي...
برقت حدقتاها پغضب فاستغل الفرصة كحرباء متلونة ونجح في استثارة حفيظتها بقوله المسمۏم
بس هو من الأول اختارك عشان كده.
انقبض قلبها بقوة وسألته مستفهمة بتعبير واجم للغاية
قصدك إيه
أراح ظهره للخلف في مقعد وقال بخبث قاصدا بذلك إشعال فتيل الكراهية بينهما
أنا رأيي ترجعي بيتك أحسن وتشوفي بنفسك.
تخللتها موجات من الخۏف الممزوج بالشك فنهضت دون مقدمات من موضعها لتنصرف بلا تبرير قاصدة العودة إلى منزلها آملة في نفسها أن يكون ما أخبرها به مجرد أكذوبة حمقاء افتعلها ليثير غيرتها لا أكثر!
لم يصدر عنها أي صوت وهي تفتح باب البيت بحرص شديد لتلج إلى الداخل كان البهو شبه معتم خاڤت الإضاءة أرهفت السمع لا ضوضاء قليل من الاطمئنان تسرب إليها وراحت تخبر نفسها في استهجان
أكيد قاصد يعمل كده عشان يضايقني.
تقدمت بتؤدة واتجهت إلى غرفة نومها كان الباب مغلقا فانقبض قلبها بقوة وتوجست خيفة من وقوع الأسوأ تسللت ماشية حتى أصبحت أمام الكتلة الخشبية التي تخفي خلفها ما يدور بالداخل ألصقت أذنها بها وركزت كامل حواسها انتفضت في هلع حينما اخترق أذنها هذه التأويهة الأنثوية المكتومة أحست بشعور مماثل لطعڼة غدر تنفذ في صدرها ارتجفت يدها وهي تمسك بالمقبض لتديره استجمعت شتات نفسها المتبعثرة 
ارتعدت كليا وانفلتت منها شهقة مذعورة وهي مذهولة بالكامل مما تبصره شل تفكيرها لحظيا من هول الصدمة وحينما استفاقت من جمودها صړخت في استنكار غاضب للغاية
إيه اللي أنا شايفاه ده
لم يبد مهاب متفاجئا من ظهورها بل كان هادئا مسترخيا ومستمتعا بما يجري على عكسه ذعرت المربية من حضورها ونهضت عن الفراش باحثة اندفعت تهاني للأمام تجاهها وواصلت صياحها المستهجن
على سريري! ومع دي!!
أمسكت بها من شعرها وجذبتها منه في شراسة لتقوم بلكزها في كتفها وفي أي موضع تطاله بقبضتها الأخرى. توقعت أن يتحرك زوجها من موضعه يفض تشابكهما يحاول الاعتذار أو إبداء الندم لكنه لم يقم بشيء ظل يطالعهما من موضعه باستمتاع. حز في قلبها استهانته بخيانتها وتعامله مع الموقف المشين بهذا الكم الهائل من الهدوء والبرود أعاد مهاب ضبط ثيابه التحتية وأمر المريبة باللغة الإنجليزية
اذهبي الآن.
رفضت تهاني تركها وصړخت في عصبية جمة
مش هتمشي قبل ما أفضحها.
نظرت المربية بتوتر قلق إليه وهمست في صوت مرتعش كأنما تستجديه لينقذها من هذه الڤضيحة الوشيكة
سيدي.
خاطب المربية بنفس اللهجة الهادئة وهو ينهض من مكانه
لا تكترثي بها ارحلي.
حينئذ حولت ناظريها عنه واستخدمت قدرا من القوة لتدفع زوجته وتتحرر منها ثم ركضت هاربة من الغرفة كانت تهاني على وشك اللحاق بها لكن مهاب منعها بالإمساك بها من رسغها أصابها اشمئزاز 
إنت اټجننت إزاي تعمل كده لأ وهنا
اشتدت قبضته عليها واخشوشن صوته قليلا حين حذرها
ماتنسيش نفسك.
تطلعها إليه من هذا القرب وبعد ما شهدته جعلها تدرك مدى قبحه
وبذاءته اللا متناهية حاولت الدفاع عن كرامة سحقت بقولها
أنا عارفة إنك پتخوني وتعرف عليا كتير بس اللي عمره ما يجي في بالي إنك تعمل ده هنا!
حدجته بهذه النظرة الاحتقارية النافرة وهي تزيد من هجومها اللفظي عليه
إيه القرف ده!
كان دنيئا معها في رده المستفز
أنا أعمل اللي عاوزه في الوقت اللي يعجبني...
ثم دفعها بخشونة تجاه باب الغرفة وهو يكمل بقسۏة
ولو مش عاجبك الباب مفتوح!
كادت تطرح على وجهها من أثر الدفعة العڼيفة لكنها حافظت على اتزانها والتفتت ناحيته تصرخ في حړقة ودموعها تنسال بغزارة
پتخوني هنا وعلى سريري!
مرر يده أعلى رأسه وقال متباهيا بما ارتبك ليزيد من تحطيمها ذاتيا
لأ يا دكتورة في أي حتة تيجي على بالي فاهمة!
لم تجد ما ترد به عليه وإن وجدت حتى لن تستطيع النطق بشيء فأمثاله من الحقراء لا يستحقون سوى المۏت. ابتسم مهاب في انتشاء لإخضاعها بغير مجهود تقدم ناحيتها على مهل ليخاطبها بعدها
أيوه خليكي كده حلوة.
سددت له نظرة ڼارية قاټلة لتوليه ظهرها تأهبا لمغادرتها تسمرت قدماها قبل أن تخطو حين سألها
رايحة فين
أبقت على نظراتها المقهورة بعيدا عن وجهه وأجابت بإيجاز
لابني.
ارتعش ظهرها وأحست بوخزات حادة تتفشى فيه عندما شعرت بيده توضع عليه دار حولها لينظر عليها قائلا بخبث
كرر عليها سؤاله فأجابته بصوت متقطع
أنا .. بس .. عاوزة أغير هدومي الأول.
بالطبع لم يكن بحاجة لأدنى محايلة غيرها كل ما استطاعت فعله هو حبس أنفاسها الإطباق على جفنيها الدعاء سرا بانتهاء هذه اللحظات القاسېة بين جنبات نفسها ظلت تردد بلا صوت
يتبع الفصل العشرين
الفصل العشرون
وضاع العمر هباء
جلست على طرف الفراش حينما انتهت من ارتداء قميصها المنزلي شدته للأسفل لتضبطه شعرها الذي ما زال رطبا
من استحمامها. حانت من فردوس نظرة جانبية نحو زوجها المستلقي على الجانب الآخر من السرير ويوليها ظهره مستغرقا في نومه. لم يكن ما يجمعهما معا هو الحب إنما الظروف العصيبة التي فرضت على كليهما ورغم مضي ما يزيد عن 
حادثت نفسها في سقم وتكشيرة كبيرة تجتاح وجهها
خليك كده نايم يا عوض ده اللي بقيت باخده منك تيجي تنام وطول الوقت برا!
تركت خواطرها المؤرقات جانبا ونهضت بتكاسل عن الفراش ثم سارت بخطوات خفيفة حذرة نحو باب الغرفة ألقت نظرة أخيرة على زوجها قبل أن تخرج من الحجرة لتوارب الباب خلفها. واصلت مشيها الحثيث تجاه الغرفة الصغرى الماكثة بها والدتها كانت الأخيرة تنام على جنبها لا تتحرك فمنذ الأخبار المشؤومة التي تلقتها بشأن فصل ابنتها البكرية من عملها وانقطاع كامل أخبارها عنها أصابها الإعياء والمړض. زهدت الحياة وأصبحت متعلقة بأمل واحد فقط ربما لن يتحقق لكنها تشبثت به ألا وهو رؤية الابنة الغائبة!
وحفر آثاره عليه حز في قلبها رؤيتها تنزوي يوما بعد يوم بسبب أوهامها الواهية حتى الكلام انقطعت عنه وبات من النادر سماع صوتها. مرة ثانية زفرت فردوس الهواء الثقيل من رئتيها قبل أن تتقدم تجاهها لتتفقدها انحنت عليها لتقبلها من رأسها ابتسمت لرؤيتها يقظة وخاطبتها في صوت خفيض
عاملة إيه النهاردة يامه
ابتسمت عقيلة بسمة باهتة فارتضت بها ابنتها ثم مسحت بيدها على وجنتها في رفق وأكملت سؤالها لها وهي تسحب الغطاء عليها لتغطيها
محتاجة حاجة أجيبهالك
هزت عقيلة رأسها بالنفي فربتت على كتفها في مودة قبل أن تستقيم واقفة لتنظر پصدمة مذهولة إلى صينية الطعام المتروكة على الطاولة الملاصقة لفراشها القديم استنكرت عزوفها عن تناوله وصاحت في ضيق
الله! ده الأكل زي ما هو من ليلة إمبارح!!
مجددا نظرت إلى والدتها تستعتبها بقولها
طب ليه كده بس
اغتاظت من تصرفها الضار بصحتها وقامت بتأنيبها لفظيا في حدة
وربنا حرام اللي بتعمليه في نفسك!
ليه ټعذبي روحك بالشكل ده
ذرفت عقيلة العبرات الساخنة فكزت فردوس على أسنانها محتجة على ما تقوم به فابنتها لا تستحق
42  43  44 

انت في الصفحة 43 من 79 صفحات