كاليندا
شديدة وخشيت إنه لو عاد يتفوه بكلماته التي ستفتح عليها أبواب الچحيم.
تجلس بجوار نافذة السيارة تتابع في صمت لا تعلم قرار ذهابها هل هو من الصواب أم كان قرارا متسرعا وسيترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.
انتبهت علي حديث والدها وهو يقول
_يلا يا شمس يا حبيبتي وصلنا وعمك مستنينا بعربيته.
ترجلت من السيارة ليتبعها والدها فهما الآن في ميدان رمسيس وكان بانتظارهما عمها أو الحاج محمود كبير العائلة أستقبلهما بالترحاب والعناق والفرح يكسو ملامحه أخذهما بسيارته إلي منزله الذي يقع في مدينة حلوان وفي الطريق تبادل الشقيقان الحديث ما بين السؤال عن الحال والصحة كما أوضح محمد لشقيقه بأن ابنته تمت فسخة خطبتها وعلل بسبب كاذب حتي لا تحدث کاړثة و يتثنى له الوقت المناسب ويرفع القضية علي نجل السفوري لكنه منتظر استقرار حالة ابنته النفسية بدلا من أن يحدث لها انتكاسة.
_إلا مالك يا شمس كده خسانة أوي وبقيتي معضمة ده حتي المفروض فرحك الأسبوع الجاي.
زجرها زوجها بنظرة ڼارية لتصمت فأجاب محمد
_المذاكرة والثانوية العامة بقي وبالنسبة للفرح محصلش نصيب الحمدلله.
_ليه كده كفي الله الشړ ده إحنا كنا لينا قعده مع بعض تحكي لي فيها إيه اللي حصل.
صاح بها زوجها
_حطي الفطار يا شوقية وسيبي البنت ترتاح من السفر.
_الفطار جاهز يا حاج هاحطوا عقبال ما الجماعة يغسلوا إيديهم ويغيروا هدومهم.
قالت شمس
_معلش يا طنط مش هاقدر أفطر أنا هادخل أنام شوية.
فأجاب عمها
_أتفضلي يا بنتي أدخلي ريحي لك جمب رحاب و لما تصحو أبقو أفطروا مع بعض.
النوم تركت حقيبتها جانبا و خلعت وشاحها ثم تمددت بجوارها ولأنها مستيقظة من قبل صلاة الفجر غلبها النعاس فأسدلت جفونها الواهنة و ذهبت إلي العالم التي تتمني أن تمكث فيه وتبتعد عن واقعها البائس.
الفصل السادس
يتأمل مياه النهر الجارية يري صورتها تطفو وهي تبتسم إليه ثم تحولت تلك الإبتسامة المشرقة إلي وجوم ووجه عابس عبرة تساقطت من ذهبتيها التي لن ينساها بتا أنتشله من لحظات تأمله صوت لم يعتد عليه بعد قائلة له
حدق إليها بامتعاض وكأنه مجبر علي جلوسه برفقتها أجاب
_عايزاني أقول إيه يعني يا مروة.
بادلته بنظرة عتاب وقالت
_أول خروجة لعريس وعروسته بعد خطوبتهم وكتب كتابهم المفروض يقولها إيه! ده أنت حتي مهنش عليك تقولي أزيك إمبارح قاعد جمبي في الكوشة ونازل عليك سهم الله واللي يجي يبارك لنا ما
زفر بضيق وينبلج علي ملامحه الضجر قائلا
_معلش حقك عليا أصلي مضغوط في الشغل اليومين دول وساعات بنطبق شيفتات زيادة فببقي مصدع ومش مركز خالص.
أقتربت منه ووضعت يدها علي يده قائلة بلهفة
_خلاص تعالي روح عندنا ريحلك ساعتين أو زي ما أنت عايز ولما تصحي نقضي باقي اليوم مع بعض وأعملك الأكل اللي بتحبه.
سحب يده مما جعلها تشعر بالحرج وقال
_خليها مرة تانية أحسن.
جاء النادل يحمل كأسين من عصير المانجو الطازج وطبقين يعلوهما قطعتين من الحلوي قام برص الكأسين والأطباق ثم سأله
_أي خدمات تاني يا فندم
_لاء شكرا.
بينما هي نظرت إلي طبق الحلوي بإشتهاء وقالت
_الله شكل التشيز كيك يجنن أنا بحبه أوي.
غرزت الشوكة وحملت قطعة صغيرة وأبتلعتها بإستمتاع فأردفت
_أنا عارفة إنك بتحبه أوي عشان كده هاتعلم طريقته وأعمله
لك لما نتجوز.
كان هو شاردا في موقف مشابه تماما عندما كان يتنزه مع شمس برفقة شقيقته التي كانت تتركهم بمفردهما وتجلس علي بعد مسافة تاركة لهما الخصوصية.
مشهد سابق
يقطع أحمد قطعة بالشوكة خاصته و يمدها أمام فمها فقالت له شمس بخجل ووجنتيها شديدة الحمرة من الخجل
_بتعمل إيه الناس بتبص علينا.
ضحك وقال
_واحد بيأكل حبيبته اللي هاتبقي مراته فيها إيه ما بنعملش حاجه حرام.
أومأت له وأجابت
_عارفه بس بتكسف أوي و بعدين ما بحبش الجاتوه.
سألها بنبرة رومانسية حالمة
_طيب بتحبي إيه وأنا هاجيبه لك حالا
أجابت وتنظر في الفراغ تفكر
_حاجة حلوة كدة دوقتها في مرة عند واحدة صاحبتي إسمها إيه يا شمس إسمها إيه آه أفتكرت إسمها تشيز كيك.
نهض ووقف ثم أنحني في عرض مسرحي قائلا
_طلباتك أوامر يا مولاتي.
أعتدل وقام بمناداة النادل فجاء له مسرعا
_أمرك يافندم.
سأله الآخر
_عندكم تشيز كيك
أجاب النادل
_اه يافندم عندنا كذا نوع بالفروالة أو الشيكولاتة والمانجا وبالتوت.
نظر أحمد إلي شمس وسألها
_بتحبيها بطعم إيه
إبتسمت بسعادة وأجابت
_بالمانجا.
قال أحمد للنادل
_أتنين بقي وصاية وكتر المانجا.
اومأ له النادل قائلا
_تمام يا فندم.
عودة للوقت الحالي
عاد من شروده وتذكره للموقف القديم ليجد مروة تنهض وتلملم هاتفها وحقيبتها تتمتم بكلمات غير مفهومة وهنا أنتبه إلي خطأه الفادح وهو التجاهل.
أمسك معصمها وسألها
_بتعملي إيه
جذبت يدها بحدة وأجابت
_بعمل اللي المفروض يتعمل من ساعة ما جينا وعماله أكلم فيك وأحاول أغيرلك مزاجك وبرضو متجاهلني كأني هوا قاعد قدامك.
قال لها بنبرة يستعطف سجيتها وقلبها النقي
_عشان خاطري أقعدي بس و ما تفهمنيش غلط.
صاحت في وجهه بحنق
_لاء فهماك صح يا إبن خالي وأنت فاهم وأنا فاهمة بس كنت بقول لنفسي أصبري عليه يابت يا مروة لما يفوق من الصدمة اللي هو فيها لسه مش هينساها بسهولة ده مكنش بينهم خطوبة يوم ولا أتنين ده سنين غير عشرة الجيرة اللي ما بينهم.
أفرغ تنهيدة بقوة نابعة من أعماق صدره وقال
_وفرتي عليا اللي كنت هقولهولك و زي ما قولتي كده بالظبط فعلا لسه ما نستهاش وقلبي مهوش كارت ميموري أمسح اللي أنا عايزه وقت ما أحب.
أبتسمت بتهكم وتحدق إليع بنظرة سخط قائلة
_ولما الحكاية كده ليه جيت طلبت إيدي وعارف ومتأكد إن أنا زي الهبلة هوافق وطبعا مرات خالي واثقة من كده فقالت لما أجوزه بنت عمته العبيطة اللي هاتموت عليه من زمان خليها تنسيه البنت اللي كان خاطبها.
كاد يجيب ولكن قاطعته بنبرة حادة قوية تثأر بها لكرامتها
_و لما أنت بتحبها أوي مكملتش معاها
ليه! ولا عشان الهانم خلاص ما بقتش تنفع بعد ما علم لك عليها ابن حماد السفوري وخلاك لبانة في بوء أهل البلد.
و ما كان ينقصه تلك الكلمات التي حولته من حمل وديع إلي وحش ثائر أو يمكننا قول أصبح كالبركان الذي أنفجر لتوه تتقاذف من عينيه الحمم والجمار المشټعلة شعرت بلهيب علي وجنتها بعدما هبط علي وجهها بلطمة قوية أخرج فيها ما يكمن من غضبه وهو يصيح بها
_أخرسي.
غرت فاها وأتسعت عينيها التي كادت تخرج من محجريهما و إنها لثوان مرت حتي أدركت ما فعله بها صړخت به وهي تخلع خاتم الخطبة ثم ألقته في وجهه
_طلقني أنا بكرهك.
و في اليوم التالي قام محمد بتوديع أشقائه متعللا بعمله حيث لم يستطع التغيب عنه أكثر من ذلك وترك لهم ابنته أمانة لديهم مع كثير من التوصيات عليها إلي شقيقه محمود وزوجته.
بينما شمس كانت تجلس مع ابنة عمها رحاب التي تكبرها بعامين وتدرس في الجامعة.
_بجد مش مصدقة نفسي يعني كان لازم عمو محمد يجيبك بنفسه وإلا كده مكنتش شوفتك خالص ده غير طبعا إن كلها أيام وهتتجوزي و زي أصحابي مش هاشوفك غير في المناسبات وإن جوزك خلاكي تحضري.
تبدلت ملامح شمس من الإبتسامة إلي الحزن وهي تنظر إلي بنصرها في يدها اليمني فارغا من خاتم الخطبة الذي ترك أثره ولم يزول بعد ردت بتوتر
_ ماتضايقيش ياستي أنا قاعدة معاكي و مطولة شوية وبالنسبة للفرح خلاص مليش نصيب أكمل.
عقدت ما بين حاجبيها باستفهام ثم أقتربت منها و سألتها بترقب
_هو إيه اللي حصل
رغما عنها ذرفت عينها عبرة بلورية أنسدلت علي وجنتها
جعلتها تشيح وجهها وغير قادرة علي التحدث وقفت رحاب أمامها رفعت وجهها من طرف ذقنها.
_ شمس أنا آسفة وحقك عليا لو سؤالي زعلك وخلاكي ټعيطي بس أعذريني أنا سألتك عشان عارفة اللي كان مابينك أنتي و أحمد مكنتش مجرد خطوبة ده حب عمره سنين فاكرة لما كنتي بترغي معايا بالساعات عنه و عن نظرات حبه ليكي لحد ما جه طلب إيديكي كل ده راح إزاي
تريد الإجابة لكن ماذا عساها أن تخبرها ما حدث ليس بالأمر البسيط يمكن ذكره وكأنها قصة عابرة فابنة عمها صديقتها الثانية بعد إسراء و موضع ثقة و بئر أسرارها منذ الطفولة ودت لو أن تحكي وتبوح بكل شئ لكنها تخشي تلك النظرة التي تجدها في أعين كل من يعلم بما حدث معها هذه النظرة كالسکين المشټعلة فوق قطع
الفحم المتوهجة يمسك بها صاحبها ويغرزها بداخل فؤادها الواهن.
أنفتح باب الغرفة وظهرت زوجة عمها لتنقذها من الإجابة علي سؤال رحاب لكن لهجة تلك المرأة أعلنت عن ناويها الخفية التي تضمرها وتتظاهر بعكسها.
_والله عال سايبيني طالع عيني في شغل الشقة وعمايل الأكل والهوانم قاعدين يتساهروا.
تأففت ابنتها وقالت
_ مش الشقة دي لسه عملاها لك أول إمبارح ومخليها لك فلة.
صاحت بها وهي تزجرها بنظرة حادة
_وأنتي بتسمي شغل الطلسئة ده ترويق قومي منك ليها وقسموا الشغل علي بعض وتلموا السجاد والمشايات وتغسلوها في المدخل.
أجابت ابنتها بسخرية
_إيه كل ده يا ماما هو العيد بكرة وإحنا ما نعرفش!
لكزتها والدتها پعنف وقالت
_ لاء يا حلوة يا أم لسانين أهل خطيبة أخوكي محمد جايين بعد بكرة وبعدين هنا كل واحد لازم يخدم نفسه أنا مش الخدامة اللي جبهالكم أبوكم.
ألتفت رحاب إلي شمس وهي ترفع أكمامها عن ساعديها قائلة
_ معلش يا شمس أستنيني أخلص اللي ورايا وجاية لك ما تنميش بقي.
صاحت شوقية بإعتراض وكأن حدثت کاړثة
_ ده مين دي اللي تستناكي وما تنمش! مش بنت زيها زيك وده بيت عمها مش حد غريب ده غير إنها مش ضيفة وقعدتها هتطول يعني زيها زينا في البيت وتروق وتكنس وتمسح وتغسل زينا ولا ما بتعمليش مع أمك كده يا شمس
أجابت الأخري وهي تزدرد لعابها بتوتر
_طبعا بساعد ماما ومن غير ما تقولي يا طنط كنت هساعد رحاب.
_طيب يلا بقي خلصوا بسرعة قبل ما عمك ما يطلع من الدكان وأكون أنا خلصت الغدا.
ذهبت شوقية فأقتربت إبنتها من شمس تربت عليها
_ حقك عليا أنا يا شمس لو كلام ماما زعلك هي